[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]قال الإمام البخاري رحمه الله : حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو قال أخبرني سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس إن نوفا البكالي يزعم أن موسى ليس بموسى بني إسرائيل إنما هو موسى آخر ؟ فقال كذب عدو الله حدثنا ابن أبي كعب عن النبي صلى الله عليه و سلم:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]قَامَ مُوسَى النَّبِيُّ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ, فَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ. فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ!
قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ بِهِ؟ فَقِيلَ لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ, فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ ثَمَّ.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ وَحَمَلَا حُوتًا فِي مِكْتَلٍ, حَتَّى كَانَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا وَنَامَا, فَانْسَلَّ الْحُوتُ مِنْ الْمِكْتَلِ{فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا}.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهُمَا, فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ:{آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا}, وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى مَسًّا مِنْ النَّصَبِ, حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ}.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]قَالَ مُوسَى:{ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا}, فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ إِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ أَوْ قَالَ: تَسَجَّى بِثَوْبِهِ, فَسَلَّمَ مُوسَى فَقَالَ الْخَضِرُ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ!
فَقَالَ: أَنَا مُوسَى فَقَالَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: نَعَمْ قَالَ:{هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا}, قَالَ{إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}.
يَا مُوسَى: إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ لَا أَعْلَمُهُ {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا}.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُمَا سَفِينَةٌ, فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا فَعُرِفَ الْخَضِرُ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ فَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَنَقْرَةِ هَذَا الْعُصْفُورِ فِي الْبَحْرِ, فَعَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ.
فَقَالَ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ}, فَكَانَتْ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]فَانْطَلَقَا فَإِذَا غُلَامٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ, فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ مِنْ أَعْلَاهُ فَاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ فَقَالَ مُوسَى:{أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ}, {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَهَذَا أَوْكَدُ: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ}.
قَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ فَقَالَ لَهُ مُوسَى: {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ}.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا ".
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - في شرحه لهذا لحديث في فتح الباري:
قَوْله : ( إِنَّ مُوسَى )
أَيْ : صَاحِب الْخَضِر ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّف فِي التَّفْسِير .
قَوْله : ( إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَر )
كَذَا فِي رِوَايَتنَا بِغَيْرِ تَنْوِين فِيهِمَا ، وَهُوَ عَلَم عَلَى شَخْص مُعَيَّن قَالُوا إِنَّهُ مُوسَى بْن مِيشَا بِكَسْرِ الْمِيم وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَة ، وَجَزَمَ بَعْضهمْ أَنَّهُ مُنَوَّن مَصْرُوف لِأَنَّهُ نَكِرَة ، وَنُقِلَ عَنْ اِبْن مَالِك أَنَّهُ جَعَلَهُ مِثَالًا لِلْعَلَمِ إِذَا نُكِّرَ تَخْفِيفًا ، قَالَ : وَفِيهِ بَحْث .
قَوْله : ( كَذَبَ عَدُوّ اللَّه )
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]قَالَ اِبْن التِّين : لَمْ يُرِدْ اِبْن عَبَّاس إِخْرَاج نَوْف عَنْ وِلَايَة اللَّه ، وَلَكِنَّ قُلُوب الْعُلَمَاء تَنْفِر إِذَا سَمِعَتْ غَيْر الْحَقّ ، فَيُطْلِقُونَ أَمْثَال هَذَا الْكَلَام لِقَصْدِ الزَّجْر وَالتَّحْذِير مِنْهُ وَحَقِيقَته غَيْر مُرَادَة . قُلْت : وَيَجُوز أَنْ يَكُون اِبْن عَبَّاس اِتَّهَمَ نَوْفًا فِي صِحَّة إِسْلَامه ، فَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ فِي حَقّ الْحُرّ بْن قَيْس هَذِهِ الْمَقَالَة مَعَ تَوَارُدهمَا عَلَيْهَا . وَأَمَّا تَكْذِيبه فَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّ لِلْعَالِمِ إِذَا كَانَ عِنْده عِلْم بِشَيْءٍ فَسَمِعَ غَيْره يَذْكُر فِيهِ شَيْئًا بِغَيْرِ عِلْم أَنْ يُكَذِّبهُ ، وَنَظِيره قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَذَبَ أَبُو السَّنَابِل " أَيْ : أَخْبَرَ بِمَا هُوَ بَاطِل فِي نَفْس الْأَمْر .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]قَوْله : ( حَدَّثَنِي أُبَيّ بْن كَعْب )
فِي اِسْتِدْلَاله بِذَلِكَ دَلِيل عَلَى قُوَّة خَبَر الْوَاحِد الْمُتْقِن عِنْده حَيْثُ يُطْلِق مِثْل هَذَا الْكَلَام فِي حَقّ مَنْ خَالَفَهُ ، وَفِي الْإِسْنَاد رِوَايَة تَابِعِيّ عَنْ تَابِعِيّ وَهُمَا عَمْرو وَسَعِيد ، وَصَحَابِيّ عَنْ صَحَابِيّ وَهُمَا اِبْن عَبَّاس وَأُبَيّ.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]قَوْله : ( فَقَالَ أَنَا أَعْلَم )
فِي جَوَاب أَيّ النَّاس أَعْلَم ، قِيلَ : إِنَّهُ مُخَالِف لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَة السَّابِقَة فِي بَاب الْخُرُوج فِي طَلَب الْعِلْم قَالَ : هَلْ تَعْلَم أَحَدًا أَعْلَم مِنْك ؟ وَعِنْدِي لَا مُخَالَفَة بَيْنهمَا ؛ لِأَنَّ قَوْله هُنَا " أَنَا أَعْلَم " أَيْ : فِيمَا أَعْلَم ، فَيُطَابِق قَوْله " لَا " فِي جَوَاب مَنْ قَالَ لَهُ : هَلْ تَعْلَم أَحَدًا أَعْلَم مِنْك ؟ فِي إِسْنَاد ذَلِكَ إِلَى عِلْمه لَا إِلَى مَا فِي نَفْس الْأَمْر . وَعِنْد النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر بِهَذَا السَّنَد " قَامَ مُوسَى خَطِيبًا فَعَرَضَ فِي نَفْسه أَنَّ أَحَدًا لَمْ يُؤْتَ مِنْ الْعِلْم مَا أُوتِيَ ، وَعَلِمَ اللَّه بِمَا حَدَّثَ بِهِ نَفْسه فَقَالَ : يَا مُوسَى ، إِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ آتَيْته مِنْ الْعِلْم مَا لَمْ أُوتِك " وَعِنْد عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر " فَقَالَ : مَا أَجِد أَحَدًا أَعْلَم بِاَللَّهِ وَأَمْره مِنِّي " . وَهُوَ عِنْد مُسْلِم مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي إِسْحَاق بِلَفْظِ " مَا أَعْلَم فِي الْأَرْض رَجُلًا خَيْرًا أَوْ أَعْلَم مِنِّي ".
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]قَالَ اِبْن الْمُنِير : ظَنَّ اِبْن بَطَّال أَنَّ تَرْك مُوسَى الْجَوَاب عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَة كَانَ أَوْلَى . قَالَ : وَعِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ رَدّ الْعِلْم إِلَى اللَّه تَعَالَى مُتَعَيِّن أَجَابَ أَوْ لَمْ يُجِبْ ، فَلَوْ قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام : " أَنَا وَاَللَّه أَعْلَم " لَمْ تَحْصُل الْمُعَاتَبَة ، وَإِنَّمَا عُوتِبَ عَلَى اِقْتِصَاره عَلَى ذَلِكَ ، أَيْ : لِأَنَّ الْجَزْم يُوهِم أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي نَفْس الْأَمْر ، وَإِنَّمَا مُرَاده الْإِخْبَار بِمَا فِي عِلْمه كَمَا قَدَّمْنَاهُ ، وَالْعَتْب مِنْ اللَّه تَعَالَى مَحْمُول عَلَى مَا يَلِيق بِهِ لَا عَلَى مَعْنَاهُ الْعُرْفِيّ فِي الْآدَمِيِّينَ كَنَظَائِرِهِ .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]قَوْله : ( هُوَ أَعْلَم مِنْك )
ظَاهِر فِي أَنَّ الْخَضِر نَبِيّ ، بَلْ نَبِيّ مُرْسَل ، إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَلَزِمَ تَفْضِيل الْعَالِي عَلَى الْأَعْلَى وَهُوَ بَاطِل مِنْ الْقَوْل ، وَلِهَذَا أَوْرَدَ الزَّمَخْشَرِيّ سُؤَالًا وَهُوَ : دَلَّتْ حَاجَة مُوسَى إِلَى التَّعْلِيم مِنْ غَيْره أَنَّهُ مُوسَى بْن مِيشَا كَمَا قِيلَ ، إِذْ النَّبِيّ يَجِب أَنْ يَكُون أَعْلَم أَهْل زَمَانه ، وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا نَقْص بِالنَّبِيِّ فِي أَخْذ الْعِلْم مِنْ نَبِيّ مِثْله .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]قُلْت : وَفِي الْجَوَاب نَظَر ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِم نَفْي مَا أَوْجَبَ ، وَالْحَقّ أَنَّ الْمُرَاد بِهَذَا الْإِطْلَاق تَقْيِيد الْأَعْلَمِيَّة بِأَمْرٍ مَخْصُوص ، لِقَوْلِهِ بَعْد ذَلِكَ " إِنِّي عَلَى عِلْم مِنْ عِلْم اللَّه عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمهُ أَنْتَ ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْم عَلَّمَكَهُ اللَّه لَا أَعْلَمهُ " وَالْمُرَاد بِكَوْنِ النَّبِيّ أَعْلَم أَهْل زَمَانه أَيْ مِمَّنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ، وَلَمْ يَكُنْ مُوسَى مُرْسَلًا إِلَى الْخَضِر ، وَإِذًا فَلَا نَقْص بِهِ إِذَا كَانَ الْخَضِر أَعْلَم مِنْهُ إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ نَبِيّ مُرْسَل ، أَوْ أَعْلَم مِنْهُ فِي أَمْر مَخْصُوص إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ نَبِيّ أَوْ وَلِيّ ، وَيَنْحَلّ بِهَذَا التَّقْرِير إِشْكَالَات كَثِيرَة .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وَمِنْ أَوْضَح مَا يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى نُبُوَّة الْخَضِر قَوْله : ( وَمَا فَعَلْته عَنْ أَمْرِي ) وَيَنْبَغِي اِعْتِقَاد كَوْنه نَبِيًّا لِئَلَّا يَتَذَرَّع بِذَلِكَ أَهْل الْبَاطِل فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّ الْوَلِيّ أَفْضَل مِنْ النَّبِيّ ، حَاشَا وَكَلَّا .
وَتَعَقَّبَ اِبْن الْمُنِير عَلَى اِبْن بَطَّال إِيرَاده فِي هَذَا الْمَوْضِع كَثِيرًا مِنْ أَقْوَال السَّلَف فِي التَّحْذِير مِنْ الدَّعْوَى فِي الْعِلْم ، وَالْحَثّ عَلَى قَوْل الْعَالِم لَا أَدْرِي ، بِأَنَّ سِيَاق مِثْل ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع غَيْر لَائِق ، وَهُوَ كَمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّه . قَالَ : وَلَيْسَ قَوْل مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنَا أَعْلَم كَقَوْلِ آحَاد النَّاس مِثْل ذَلِكَ ، وَلَا نَتِيجَة قَوْله كَنَتِيجَةِ قَوْلهمْ فَإِنَّ نَتِيجَة قَوْلهمْ الْعُجْب وَالْكِبْر وَنَتِيجَة قَوْله الْمَزِيد مِنْ الْعِلْم وَالْحَثّ عَلَى التَّوَاضُع وَالْحِرْص عَلَى طَلَب الْعِلْم . وَاسْتِدْلَاله بِهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز الِاعْتِرَاض بِالْعَقْلِ عَلَى الشَّرْع خَطَأ ؛ لِأَنَّ مُوسَى إِنَّمَا اِعْتَرَضَ بِظَاهِرِ الشَّرْع لَا بِالْعَقْلِ الْمُجَرَّد ، فَفِيهِ حُجَّة عَلَى صِحَّة الِاعْتِرَاض بِالشَّرْعِ عَلَى مَا لَا يَسُوغ فِيهِ وَلَوْ كَانَ مُسْتَقِيمًا فِي بَاطِن الْأَمْر .
قَوْله : ( فِي مِكْتَل )
بِكَسْرِ الْمِيم وَفَتْح الْمُثَنَّاة مِنْ فَوْق .
قَوْله : ( فَانْطَلَقَا بَقِيَّة لَيْلَتهمَا )
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]بِالْجَرِّ عَلَى الْإِضَافَة وَيَوْمهمَا بِالنَّصْبِ عَلَى إِرَادَة سَيْر جَمِيعه ، وَنَبَّهَ بَعْض الْحُذَّاق عَلَى أَنَّهُ مَقْلُوب . وَأَنَّ الصَّوَاب بَقِيَّة يَوْمهمَا وَلَيْلَتهمَا لِقَوْلِهِ بَعْده " فَلَمَّا أَصْبَحَ " لِأَنَّهُ لَا يُصْبِح إِلَّا عَنْ لَيْل اِنْتَهَى . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِقَوْلِهِ : " فَلَمَّا أَصْبَحَ " أَيْ مِنْ اللَّيْلَة الَّتِي تَلِي الْيَوْم الَّذِي سَارَا جَمِيعه . وَاَللَّه أَعْلَم .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]قَوْله : ( أَنَّى )
أَيْ : كَيْف " بِأَرْضِك السَّلَام " . وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي التَّفْسِير " هَلْ بِأَرْضِي مِنْ سَلَام " أَوْ مِنْ أَيْنَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : ( أَنَّى لَك هَذَا ) وَالْمَعْنَى مِنْ أَيْنَ السَّلَام فِي هَذِهِ الْأَرْض الَّتِي لَا يُعْرَف فِيهَا ؟ وَكَأَنَّهَا كَانَتْ بِلَاد كُفْر ، أَوْ كَانَتْ تَحِيَّتهمْ بِغَيْرِ السَّلَام ، وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاء وَمَنْ دُونهمْ لَا يَعْلَمُونَ مِنْ الْغَيْب إِلَّا مَا عَلَّمَهُمْ اللَّه ، إِذْ لَوْ كَانَ الْخَضِر يَعْلَم كُلّ غَيْب لَعَرَفَ مُوسَى قَبْل أَنْ يَسْأَلهُ .
قَوْله : ( فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ )
أَيْ : مُوسَى وَالْخَضِر ، وَلَمْ يَذْكُر فَتَى مُوسَى - وَهُوَ يُوشَع - لِأَنَّهُ تَابِع غَيْر مَقْصُود بِالْأَصَالَةِ .
قَوْله : ( فَكَلَّمُوهُمْ )
ضَمَّ يُوشَع مَعَهُمَا فِي الْكَلَام لِأَهْلِ السَّفِينَة لِأَنَّ الْمَقَام يَقْتَضِي كَلَام التَّابِع .
قَوْله : ( فَحَمَلُوهُمَا )
يُقَال فِيهِ مَا قِيلَ فِي يَمْشِيَانِ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون يُوشَع لَمْ يَرْكَب مَعَهُمَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقَع لَهُ ذِكْر بَعْد ذَلِكَ.
قَوْله : ( فَجَاءَ عُصْفُور )
بِضَمِّ أَوَّله ، قِيلَ هُوَ الصُّرَد بِضَمِّ الْمُهْمَلَة وَفَتْح الرَّاء ، وَفِي الرِّحْلَة لِلْخَطِيبِ أَنَّهُ الْخُطَّاف .
قَوْله : ( مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمك مِنْ عِلْم اللَّه )
لَفْظ النَّقْص لَيْسَ عَلَى ظَاهِره ؛ لِأَنَّ عِلْم اللَّه لَا يَدْخُلهُ النَّقْص ، فَقِيلَ مَعْنَاهُ لَمْ يَأْخُذ ، وَهَذَا تَوْجِيه حَسَن . وَيَكُون التَّشْبِيه وَاقِعًا عَلَى الْأَخْذ لَا عَلَى الْمَأْخُوذ مِنْهُ ، وَأَحْسَن مِنْهُ أَنَّ الْمُرَاد بِالْعِلْمِ الْمُرَاد بِدَلِيلِ دُخُول حَرْف التَّبْعِيض ؛ لِأَنَّ الْعِلْم الْقَائِم بِذَاتِ اللَّه تَعَالَى صِفَة قَدِيمَة لَا تَتَبَعَّض وَالْمَعْلُوم هُوَ الَّذِي يَتَبَعَّض ، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : الْمُرَاد أَنَّ نَقْص الْعُصْفُور لَا يَنْقُص الْبَحْر بِهَذَا الْمَعْنَى ، وَهُوَ كَمَا قِيلَ :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وَلَا عَيْب فِيهِمْ غَيْر أَنَّ سُيُوفهمْ بِهِنَّ فُلُول مِنْ قِرَاع الْكَتَائِب
أَيْ : لَيْسَ فِيهِمْ عَيْب ، وَحَاصِله أَنَّ نَفْي النَّقْص أُطْلِقَ عَلَى سَبِيل الْمُبَالَغَة . وَقِيلَ " إِلَّا " بِمَعْنَى وَلَا أَيْ : وَلَا كَنَقْرَةِ هَذَا الْعُصْفُور .
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : مَنْ أَطْلَقَ اللَّفْظ هُنَا تَجَوَّزَ لِقَصْدِهِ التَّمَسُّك وَالتَّعْظِيم ، إِذْ لَا نَقْص فِي عِلْم اللَّه وَلَا نِهَايَة لِمَعْلُومَاتِهِ . وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة اِبْن جُرَيْجٍ بِلَفْظٍ أَحْسَن سِيَاقًا مِنْ هَذَا وَأَبْعَد إِشْكَالًا فَقَالَ : " مَا عِلْمِي وَعِلْمك فِي جَنْب عِلْم اللَّه إِلَّا كَمَا أَخَذَ هَذَا الْعُصْفُور بِمِنْقَارِهِ مِنْ الْبَحْر " وَهُوَ تَفْسِير لِلَّفْظِ الَّذِي وَقَعَ هُنَا ، قَالَ : وَفِي قِصَّة مُوسَى وَالْخَضِر مِنْ الْفَوَائِد أَنَّ اللَّه يَفْعَل فِي مُلْكه مَا يُرِيد ، وَيَحْكُم فِي خَلْقه بِمَا يَشَاء مِمَّا يَنْفَع أَوْ يَضُرّ ، فَلَا مَدْخَل لِلْعَقْلِ فِي أَفْعَاله وَلَا مُعَارَضَة لِأَحْكَامِهِ ، بَلْ يَجِب عَلَى الْخَلْق الرِّضَا وَالتَّسْلِيم ، فَإِنَّ إِدْرَاك الْعُقُول لِأَسْرَارِ الرُّبُوبِيَّة قَاصِر فَلَا يَتَوَجَّه عَلَى حُكْمه لِمَ وَلَا كَيْفَ ، كَمَا لَا يَتَوَجَّه عَلَيْهِ فِي وُجُوده أَيْنَ وَحَيْثُ وَأَنَّ الْعَقْل لَا يُحَسِّن وَلَا يُقَبِّح وَأَنَّ ذَلِكَ رَاجِع إِلَى الشَّرْع : فَمَا حَسَّنَهُ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ فَهُوَ حَسَن ، وَمَا قَبَّحَهُ بِالذَّمِّ فَهُوَ قَبِيح([1]) .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وَأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِيمَا يَقْضِيه حُكْمًا وَأَسْرَارًا فِي مَصَالِح خَفِيَّة اِعْتَبَرَهَا كُلّ ذَلِكَ بِمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَته مِنْ غَيْر وُجُوب عَلَيْهِ وَلَا حُكْم عَقْل يَتَوَجَّه إِلَيْهِ ، بَلْ بِحَسَبِ مَا سَبَقَ فِي عِلْمه وَنَافِذ حُكْمه ، فَمَا أَطْلَعَ الْخَلْق عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْأَسْرَار عُرِفَ ، وَإِلَّا فَالْعَقْل عِنْده وَاقِف . فَلْيَحْذَرْ الْمَرْء مِنْ الِاعْتِرَاض فَإِنَّ مَآل ذَلِكَ إِلَى الْخَيْبَة . قَالَ : وَلْنُنَبِّهْ هُنَا عَلَى مُغَلَّطَتَيْنِ؛
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]الْأُولَى : وَقَعَ لِبَعْضِ الْجَهَلَة أَنَّ الْخَضِر أَفْضَل مِنْ مُوسَى تَمَسُّكًا بِهَذِهِ الْقِصَّة وَبِمَا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ ، وَهَذَا إِنَّمَا يَصْدُر مِمَّنْ قَصَرَ نَظَرَهُ عَلَى هَذِهِ الْقِصَّة وَلَمْ يَنْظُر فِيمَا خَصَّ اللَّه بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ الرِّسَالَة وَسَمَاع كَلَام اللَّه وَإِعْطَائِهِ التَّوْرَاة فِيهَا عِلْم كُلّ شَيْء ، وَأَنَّ أَنْبِيَاء بَنِي إِسْرَائِيل كُلّهمْ دَاخِلُونَ تَحْت شَرِيعَته وَيُخَاطِبُونَ بِحُكْمِ نُبُوَّته حَتَّى عِيسَى ، وَأَدِلَّة ذَلِكَ فِي الْقُرْآن كَثِيرَة ، وَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : ( يَا مُوسَى إِنِّي اِصْطَفَيْتُك عَلَى النَّاس بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي ) وَسَيَأْتِي فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء مِنْ فَضَائِل مُوسَى مَا فِيهِ كِفَايَة . قَالَ : وَالْخَضِر وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلَيْسَ بِرَسُولٍ بِاتِّفَاقٍ ، وَالرَّسُول أَفْضَل مِنْ نَبِيّ لَيْسَ بِرَسُولٍ ، وَلَوْ تَنَزَّلْنَا عَلَى أَنَّهُ رَسُول فَرِسَالَة مُوسَى أَعْظَم وَأُمَّته أَكْثَر فَهُوَ أَفْضَل ، وَغَايَة الْخَضِر أَنْ يَكُون كَوَاحِدٍ مِنْ أَنْبِيَاء بَنِي إِسْرَائِيل وَمُوسَى أَفْضَلهمْ . وَإِنْ قُلْنَا : إِنَّ الْخَضِر لَيْسَ بِنَبِيٍّ بَلْ وَلِيّ فَالنَّبِيّ أَفْضَل مِنْ الْوَلِيّ ، وَهُوَ أَمْر مَقْطُوع بِهِ عَقْلًا وَنَقْلًا ، وَالصَّائِر إِلَى خِلَافه كَافِر لِأَنَّهُ أَمْر مَعْلُوم مِنْ الشَّرْع بِالضَّرُورَةِ . قَالَ : وَإِنَّمَا كَانَتْ قِصَّة الْخَضِر مَعَ مُوسَى اِمْتِحَانًا لِمُوسَى لِيَعْتَبِر .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]الثَّانِيَة : ذَهَبَ قَوْم مِنْ الزَّنَادِقَة إِلَى سُلُوك طَرِيقَة تَسْتَلْزِم هَدْم أَحْكَام الشَّرِيعَة فَقَالُوا : إِنَّهُ يُسْتَفَاد مِنْ قِصَّة مُوسَى وَالْخَضِر أَنَّ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الْعَامَّة تَخْتَصّ بِالْعَامَّةِ وَالْأَغْبِيَاء ، وَأَمَّا الْأَوْلِيَاء وَالْخَوَاصّ فَلَا حَاجَة بِهِمْ إِلَى تِلْكَ النُّصُوص ، بَلْ إِنَّمَا يُرَاد مِنْهُمْ مَا يَقَع فِي قُلُوبهمْ ، وَيُحْكَم عَلَيْهِمْ بِمَا يَغْلِب عَلَى خَوَاطِرهمْ ، لِصَفَاءِ قُلُوبهمْ عَنْ الْأَكْدَار وَخُلُوّهَا عَنْ الْأَغْيَار . فَتَنْجَلِي لَهُمْ الْعُلُوم الْإِلَهِيَّة وَالْحَقَائِق الرَّبَّانِيَّة ، فَيَقِفُونَ عَلَى أَسْرَار الْكَائِنَات وَيَعْلَمُونَ الْأَحْكَام الْجُزْئِيَّات فَيَسْتَغْنُونَ بِهَا عَنْ أَحْكَام الشَّرَائِع الْكُلِّيَّات ، كَمَا اِتَّفَقَ لِلْخَضِرِ ، فَإِنَّهُ اِسْتَغْنَى بِمَا يَنْجَلِي لَهُ مِنْ تِلْكَ الْعُلُوم عَمَّا كَانَ عِنْد مُوسَى ، وَيُؤَيِّدهُ الْحَدِيث الْمَشْهُور : " اِسْتَفْتِ قَلْبك وَإِنْ أَفْتَوْك ".
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : وَهَذَا الْقَوْل زَنْدَقَة وَكُفْر ؛ لِأَنَّهُ إِنْكَار لِمَا عُلِمَ مِنْ الشَّرَائِع ، فَإِنَّ اللَّه قَدْ أَجْرَى سُنَّته وَأَنْفَذَ كَلِمَته بِأَنَّ أَحْكَامه لَا تُعْلَم إِلَّا بِوَاسِطَةِ رُسُله السُّفَرَاء بَيْنه وَبَيْن خَلْقه الْمُبَيِّنِينَ لِشَرَائِعِهِ وَأَحْكَامه ، كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : ( اللَّه يَصْطَفِي مِنْ الْمَلَائِكَة رُسُلًا وَمِنْ النَّاس ) وَقَالَ : ( اللَّه أَعْلَم حَيْثُ يَجْعَل رِسَالَاته ) وَأَمَرَ بِطَاعَتِهِمْ فِي كُلّ مَا جَاءُوا بِهِ ، وَحَثَّ عَلَى طَاعَتهمْ وَالتَّمَسُّك بِمَا أَمَرُوا بِهِ فَإِنَّ فِيهِ الْهُدَى .
وَقَدْ حَصَلَ الْعِلْم الْيَقِين وَإِجْمَاع السَّلَف عَلَى ذَلِكَ ، فَمَنْ اِدَّعَى أَنَّ هُنَاكَ طَرِيقًا أُخْرَى يَعْرِف بِهَا أَمْرَهُ وَنَهْيه غَيْر الطُّرُق الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الرُّسُل يَسْتَغْنِي بِهَا عَنْ الرَّسُول فَهُوَ كَافِر يُقْتَل وَلَا يُسْتَتَاب .
قَالَ : وَهِيَ دَعْوَى تَسْتَلْزِم إِثْبَات نُبُوَّة بَعْد نَبِيّنَا ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ إِنَّهُ يَأْخُذ عَنْ قَلْبه لِأَنَّ الَّذِي يَقَع فِيهِ هُوَ حُكْم اللَّه وَأَنَّهُ يَعْمَل بِمُقْتَضَاهُ مِنْ غَيْر حَاجَة مِنْهُ إِلَى كِتَاب وَلَا سُنَّة فَقَدْ أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ خَاصَّة النُّبُوَّة كَمَا قَالَ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ رُوح الْقُدُس نَفَثَ فِي رُوعِي " .
قَالَ : وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ قَالَ : أَنَا لَا آخُذ عَنْ الْمَوْتَى ، وَإِنَّمَا آخُذ عَنْ الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت . وَكَذَا قَالَ آخَر : أَنَا آخُذ عَنْ قَلْبِي عَنْ رَبِّي .
وَكُلّ ذَلِكَ كُفْر بِاتِّفَاقِ أَهْل الشَّرَائِع ، وَنَسْأَل اللَّه الْهِدَايَة وَالتَّوْفِيق .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وَقَالَ غَيْره : مَنْ اِسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ الْخَضِر عَلَى أَنَّ الْوَلِيّ يَجُوز أَنْ يَطَّلِع مِنْ خَفَايَا الْأُمُور عَلَى مَا يُخَالِف الشَّرِيعَة وَيَجُوز لَهُ فِعْله فَقَدْ ضَلَّ ، وَلَيْسَ مَا تَمَسَّكَ بِهِ صَحِيحًا ، فَإِنَّ الَّذِي فَعَلَهُ الْخَضِر لَيْسَ فِي شَيْء مِنْهُ مَا يُنَاقِض الشَّرْع ، فَإِنَّ نَقْض لَوْح مِنْ أَلْوَاح السَّفِينَة لِدَفْعِ الظَّالِم عَنْ غَصْبهَا ثُمَّ إِذَا تَرَكَهَا أُعِيدَ اللَّوْح جَائِز شَرْعًا وَعَقْلًا ؛ وَلَكِنَّ مُبَادَرَة مُوسَى بِالْإِنْكَارِ بِحَسَبِ الظَّاهِر . وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ وَاضِحًا فِي رِوَايَة أَبِي إِسْحَاق الَّتِي أَخْرَجَهَا مُسْلِم وَلَفْظه : فَإِذَا جَاءَ الَّذِي يُسَخِّرهَا فَوَجَدَهَا مُنْخَرِقَة تَجَاوَزَهَا فَأُصْلِحهَا . فَيُسْتَفَاد مِنْهُ وُجُوب التَّأَنِّي عَنْ الْإِنْكَار فِي الْمُحْتَمَلَات . وَأَمَّا قَتْله الْغُلَام فَلَعَلَّهُ كَانَ فِي تِلْكَ الشَّرِيعَة . وَأَمَّا إِقَامَة الْجِدَار فَمِنْ بَاب مُقَابَلَة الْإِسَاءَة بِالْإِحْسَانِ . وَاَللَّه أَعْلَم .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]